ندوات الإعجاز
العلمي
تم إلقاؤها
بإذاعة دار
الفتوى بلبنان
الحمام الزاجل
لفضيلة الدكتور
محمد راتب
النابلسي
بسم الله الرحمن
الرحيم
اللهم صلِ ، وسلم
، وبارك على
سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين
، لقد اعترف
بلغاء العرب
بروعة النظم
القرآني ، وتميزه
عن كلام البشر ،
فهذا الوليد بن
المغيرة يقول في
القرآن الكريم
رغم كفره : " إن
له لحلاوة ، وإن
عليه لطلاوة ،
وإن أسفله لمغدق
، وإن أعلاه
لمثمر ، وإنه
ليعلو ، ولا يعلى
عليه " .
وقد دفع ذلك بنفر
من المسلمين إلى
تصور الإعجاز
القرآني أساساً
في جوانب بيانه
ونظمه ، وأفاض
الأقدمون
والمحدثون في ذلك
، فأفصحوا عن
جوانب من الإعجاز
البياني في
القرآن الكريم
ملأت العديد من
المجلدات ، دون
أن يتمكنوا من
إيفاء ذلك الجانب
حقه كاملاً ،
نتابع مع الإعجاز
العلمي في الكتاب
والسنة ، ومع
كتاب لفضيلة
الدكتور محمد
راتب النابلسي
الأستاذ المحاضر
في كلية التربية
بجامعة دمشق ،
والخطيب والمدرس
الديني في مساجد
دمشق ، أهلاً
وسهلاً بك .
س/ حينما تتفكر ، وتتأمل في خلقه ، وأنت جالس على الشرفة قد يتراءى إليك
حمام يطير في
السماء ، فهل من
الممكن أن تتأمل
بأن حمام الزاجل
هذا كان يستخدم
كبريد جوي ؟ هذا
هو السؤال المحير
، والذي نرى
عنواناً كبيراً
في كتابكم ،
فحدِّثونا أفادكم
الله .
ج/ إن شاء الله ،
لفت نظري مرة أن
مقالة كتب عليها: " حمام الزاجل
أول وكالة أنباء
في التاريخ " ،
وقد نربط هذا
الموضوع العلمي
بتاريخنا القريب
، فالأمير نور
الدين الشهيد
استخدم البريد
الجوي حينما كان
أميراً على بلاد
الشام ومصر معاً
، فكان يرسل
بريداً من الشام
إلى مصر ، وتأتيه
الأجوبة في زمن
قصير جداً عن
طريق حمام الزاجل
، ماذا قال
العلماء عن حمام
الزاجل ؟ قالوا :
حمام الزاجل ،
وله اسم آخر ،
حمام الرسائل ،
له ما يزيد على
خمسمائة نوع ،
وهذا شيء لا يصدق
، هو يمتاز بحدة
الذكاء والقدرة
الفائقة على
الطيران ، ويمتاز
بغريزة قوية
يهتدي بها إلى
هدفه وموطنه ، هو
مخلوق مستأنس
ألِفٌ ، قال
تعالى :

[ سورة يس :
الآية 72]
كلمة
}
ذَلَّلْنَاهَا
لَهُمْ
{
فيها معانٍ كثيرة
جداً ، هذا
الحيوان الذي
يألفه الإنسان ،
ويألف الإنسان ،
ويستخدمه ،
ويعينه على أداء
مهماته ، لولا أن
الله ذلّله لما
أمكنه أن ينتفع
منه ، لو أن
أخلاق هذه
الأنعام التي
نأكلها كأخلاق
الذئاب كيف
نتعامل معها ؟
دكتور محمد ، بالنسبة لاسم هذا الحمام ذكرت أنه حمام الزاجل ، هل هناك
فرق بين الحمام
العادي وحمام
الزاجل ؟
طبعاً هذا كأن
الله خلقه لهذه
المهمة ، تعلمون
أن هناك كلابًا
كثيرة ، لكن
الكلاب البوليسية
قدرة شمّها مليون
ضعف عن بقية
الأصناف ، معنى
ذلك أنها مخلوقة
خصيصاً لهذا
الهدف ، فيبدو أن
حمام الزاجل في
أصل تصميمه ، وفي
أصل خلقه قد خلقه
الله ليعين
الإنسان على نقل
المعلومات
والأخبار .
هناك سؤال : من
ذلّل هذا الطير ؟
من جعله حاد
الذكاء ؟ من جعله
ذا قدرة فائقة
على الطيران ؟ من
جعله ذا غريزة
قوية يهتدي بها
إلى هدفه ؟ من
جعله مستأنساً
يألف الإنسان ،
ويخدمه ، وهو
مسخر له ؟ إن هذا
الطير ، حمام
الزاجل أو حمام
الرسائل كما يسمى
يقطع مسافة ألف
كيلو متر دون
توقف ، في طيران
مستمر ، يقطعها
بسرعة كيلو متر
واحد في الدقيقة
، أي يقطع في
الساعة ستين كيلو
مترًا ، ويعطي
حمام الزاجل هذا
سنوياً تسعة
أزواج من
الزغاليل كل عام
، ما سمعنا أن
طائرة دفعنا
ثمنها مئات
الملايين من
الدولارات أنتجت
لنا طائرة صغيرة
في آخر العام ،
فحمام الزاجل
يعطي سنوياً تسعة
أزواج من
الزغاليل كل عام
، ويعين على نقل
الرسائل عبر
الآفاق ، ويهتدي
إلى إيصالها
بسرعة فائقة
بالقياس إلى ذلك
الزمن .
فضيلة الدكتور ، مَن استخدم هذا الحمام ؟
يروي التاريخ
القريب من الحديث
أن السلطان نور
الدين استخدم
الحمام لنقل
رسائله بين دمشق
والقاهرة ، حيث
كان البريد ينقل
عن طريق الحمام ،
وكان اسم السلطان
ينقش على منقار
هذا الحمام ،
وكان له ورق خاص
يحمله لينقل به
الرسائل ذا الوزن
الخفيف نسبياً ،
وكان هذا السلطان
يستخدم ألفين من
الحمام لنقل
الرسائل بينه
وبين عماله في
الأمصار .
إن ثمة لغزاً
كبيراً جداً
مازال إلى اليوم
يحير الباحثين ،
كيف يهتدي هذا
الحمام الذي خلقه
الله سبحانه
وتعالى إلى هدفه
؟ وما الطريقة
التي يستخدمها ؟
ويسأل العلماء :
كيف يستدل الحمام
على طريقه الطويل
في السفر ؟
بالمناسبة ، ما
من نظرية وضعت
لتفسير ظاهرة
اهتداء الطير إلى
هدفه إلا ونقضها
العلم ، حتى الآن
ليس هناك نظرية
تفسر اهتداء هذا
الطائر عبر عشرات
الآلاف من الكيلو
مترات ليلاً أو
نهاراً فوق البحر
، أو فوق اليابسة
دون أن يضل
الطريق إلى هدفه
، والطائر
أحياناً ينتقل من
شمال الكرة إلى
جنوبها ، وقد
تكون رحلته تزيد
على سبعة عشر ألف
كيلو متر ، لو
أنه أخطأ في درجة
واحدة من زوايا
الانطلاق لجاء في
مكان آخر ، مثلاً
حي من أحياء
بيروت فيه بيت
فيه عش طائر ،
هذا الطائر يهاجر
إلى جنوب إفريقيا
، في طريق العودة
لو أخطأ في درجة
واحدة في زاوية
الطيران لجاء في
العراق ، ما الذي
يجعله يأتي إلى
بيروت بالذات ؟
هذا الشيء لا
يزال محيراً .
مرة اطلعت على
بحث يزيد على
ثمانين صفحة في
أرقى مجلات
الجغرافيا في
العالم ، إلى
الآن ليس هناك
جواب مقنع وشافٍ
، ويغطي كل حركات
الطيران .
مثلاً : لعلهم
يفهمون أن هذا
الطائر مبرمج على
أن يسافر من
الشمال إلى
الجنوب ، ومن
الجنوب إلى
الشمال ، فجاؤوا
بمئة طائر ،
وعلّموها ،
وأخذوها إلى
الهند من
بريطانيا ، إذاً
هي تطير الآن في
اتجاه الغرب ،
جاؤوا بعدد من
الطيور ، ونقلوها
إلى بلاد شرقية
كالهند مثلاً ،
التي أُخِذت من
بريطانيا عادت
إلى بريطانيا ،
فسّر ذلك مرة
بالشمس ، مرة
بالساحة
المغناطيسية ،
فسّر ذلك
بالتضاريس ، ما
من تفسير إلا
وصار عاجزاً عن
تغطية هذه القدرة
التي أودعها الله
في الطائر ، إلا
أن بعض علماء
المسلمين قال :
حينما قال الله
تعالى :

[ سورة الملك :
الآية 19]
استنبط علماء
المسلمين أن
اهتداء الطير إلى
هدفه يتم مباشرة
بتوجيه الله عز
وجل ، من قوله
تعالى :

[ سورة الملك :
الآية 19]
على كل الحمام
يعد كما قلنا في
مطلع هذا اللقاء
الطيب : أول
وكالة أنباء في
التاريخ .
دكتور ، إن أردنا أن نتجاوز عن تفسير رجوع الطير إلى موطنه الأصلي فمن
الممكن أن نتجاوز
عنه ، ولكن كيف
نتجاوز عن تفسير
أنه يرسل الطائر
إلى مكان آخر غير
موطنه ليبعث
برسالة فهنا
تفسير عجيب ؟
سوف نحاول أن
نفسر ذلك ،
الحقيقة أن
الإغريق واليونان
والرومان والعرب
، وفي كل العصور
كانوا يستخدمون
هذا الطائر لنقل
الرسائل وإيصال
الأنباء ، وقد
استخدمته بعض
الدول الغربية
كهولندا لإبلاغ
الأوامر إلى
سومطرة ، تصور من
هولندا إلى
سومطرة ، وجاء
إلى جنوب شرق
آسيا يقطع مسافات
تزيد على سبعة
عشر ألف كيلو متر
تقريباً ، لكن
السؤال الذي يحير
العقول كما تفضلت
به قبل قليل :
كيف يهتدي هذا
الطائر عبر هذه
المسافات الطويلة
التي يعجز عن
الاهتداء إليها
أذكى طيار على
وجه الأرض ؟
الطيار هناك
محطات أرضية
نظامية كثيرة
جداً ترسل له
إشارات ، كيف
يعرف الطيار أين
هو على سطح الأرض
؟ لولا هذه
المحطات التي
ترشده إلى مكان
وجوده لما أمكنه
أن يهتدي .
طبعاً هذا واضح
جداً في مخلوقات
أخرى ، أنا ذكرت
مرة أن بعض
الأسماك تأتي من
ينابيع الأنهار
في أمريكا إلى
مصباتها إلى
الشرق إلى سواحل
أوربا في المحيط
الأطلسي ، وتعود
إلى مصبات
الأنهار إلى رؤوس
الأنهار فتموت
هناك ، لو أنها
أخطأت في درجة
واحدة أيضاً
لكانت قد أتت من
نهر الأمازون ،
فإذا بها في نهر
آخر ، شيء عجيب
جداً .
على كل الطيار
يستخدم إشارات
وإحداثيات وخرائط
، وبث مستمر يحدد
له في أي موقع هو
على سطح الأرض ،
إنها رحلة طويلة
من غرب أوربا إلى
جنوب شرق آسيا ،
فكيف ـ كما
تساءلتم جزاكم
الله خيراً ـ
فكيف يوصل طائر
صغير رسالة إلى
أبعد مكان ، وكيف
تعمل الحاسة التي
توجه الطائر نحو
طريقه ؟ قال
العلماء : إن
شيئاً ما يوجه
هذه الطيور إلى
أهدافها لا نعرفه
، وأروع ما في
الموضوع كما قال
سيدنا الصديق :
العجز عن الإدراك
إدراك .
أحياناً الإنسان
يرى لغزاً لا حل
له ، أقول لك ،
وأنا واثق من هذا
الكلام : إنه حتى
الآن ليس هناك
تفسير علمي واضح
لحركة الطيور ،
ليس هناك جواب ،
إلا أنني فهمت من
قوله تعالى كما
فهم غيري أن الله
سبحانه وتعالى
يوجه توجيهاً
مباشراً هذا
الطير ليكون آية
على عظمة الله عز
وجل .
قد توقع بعض
علماء الأرض أن
معالم الأرض
تنطبع في ذاكرة
هذا الطير ، فهو
يعرفها ، ويهتدي
بها ، هذه فريضة،
فجاء عالم آخر ،
ونقض هذه الفرضية
بأن جاء بحمام
الزاجل ، وعصب
عينيه ، وأطلقه
فانطلق إلى هدفه
، هذه النظرية
أصبحت باطلة ،
فأين تلك المعالم
؟ وأين الذاكرة
على الرغم من أنه
قد عصبت عيناه
انطلق إلى هدفه ؟
فرضية ثانية :
أنه يشكل مع
الشمس زاوية
يهتدي بها إلى
وطنه ، فلما قيل
: يطير في الليل
فكيف يهتدي إلى
هدفه ، وهو يطير
ليلاً نقضت هذه
النظرية .
نظرية ثالثة :
إنهم توقعوا وجود
جهاز رادار في
دماغه يهديه إلى
الهدف ، فوضعوا
على رأسه جهازاً
صغيراً كهربائياً
يصدر إشارات
كهربائية من أجل
أن تشوش عليه ،
ومع ذلك وصل إلى
هدفه .
ثم توقعوا أنه
يهتدي إلى أهدافه
عن طريق الساحة
المغناطيسية في
الأرض ، فوضعوا
في أرجله حلقات
حديدية ممغنطة من
أجل تشويش هذه
الساحة فاهتدى
إلى هدفه .
لم تبق عندهم من
نظرية إلا ونقضت
، فكيف يقطع
الطائر عشرات
الآلاف من
الأميال فوق
البحر ، وفوق
الجبال ، وفي
الصحراء ، وفي
الوديان ، وكيف
يأخذ زاوية
باتجاه الهدف ،
هذا سر لا يزال
يحير عقول
العلماء ، وقد
قال أحد العلماء
: إن شيئاً ما
يوجه الطيور إلى
موطنها ، قال
تعالى :

[ سورة طه]
وأصح تفسير لهذا
الموضوع أن الأمر
يتعلق بهداية
الله سبحانه
وتعالى ، قال
تعالى :

[ سورة الأعلى ]
لذلك يسمي علماء
التوحيد هذه
الظاهرة التي
تحير العقول
هداية الله تعالى
، ويسميها علماء
الحياة الغريزية
آلية معقدة توجد
عند المخلوق دون
تعلم ، عمل ذكي
على مراحل ومبرمج
يفعله الحيوان
بلا تعلم .
الإنسان حينما
يتعلم يتحرك وفق
علمه ، لكن
الحيوان أحياناً
يقوم بأعمال
بالغة التعقيد من
دون تعلم ، هذه
اصطلح على
تسميتها بالغريزة
، والغريزة عمل
معقد جداً على
مراحل مبرمج ،
ولكن بلا تعلم ،
مثلاً الإنسان
يولد ، ولد لتوه
كيف يستطيع الأب
أن يعلمه كيف يمص
ثدي أمه ليشرب من
حليبها ؟ هل هناك
قوة في الأرض
تستطيع أن تعلم
المولود لتوه ؟
لو أن الأب قال
له : يا بني ،
لابد من أن تشرب
الحليب من ثدي
أمك ، ضع فمك على
حلمة ثدي أمك ،
واحكم الإغلاق ،
ثم اسحب الهواء ،
هل هناك في الأرض
قوة تستطيع أن
تعلم هذا الوليد
؟ أبداً ، قال
علماء الطب : إن
الطفل الذي يولد
لتوه مركوز فيه
منعكس اسمه منعكس
المص ، دون تعلم
، لمجرد أن يضع
الوليد فمه على
ثدي أمه يحكم
الإغلاق ، ويسحب
الهواء ، فيأتيه
الحليب ، هذا
المنعكس الوحيد
الذي خلق مع
الإنسان ، ولولاه
لما كانت هذه
الندوة .
إذاً الهداية من
الله سبحانه
وتعالى كما ذكرتم
، في نهاية هذه
الحلقة كنا قد
تحدثنا أيها
الإخوة و الأخوات
في هذه الحلقة عن
حمام الزاجل ،
البريد الجوي ،
إنه ليس حديث ،
بل إنه قديم ، إن
هذا الطير ، حمام
الزاجل أو حمام
الرسائل كان يسمى
يقطع المسافات
الكبيرة جداً ،
ويهتدي بنور الله
سبحانه و تعالى .
أيها الإخوة ،
كنتم مع فضيلة
الدكتور محمد
راتب النابلسي،
من الحلقات
الإعجاز العلمي
في القرآن والسنة
.
للاستماع إلى
الندوة بالصوت ..
أضغط لتحميل
الملف/2م.ب
|